ح1
تعريف الدين
للدين على لسان الكثير من الفلاسفة والمفكرين, على اختلاف مشاربهم وهوياتهم العلمية واتجاهاتهم المعرفية, جاءت تعريفات شتى ومنها:
وليم جيمس: الدين هو الأحاسيس والخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم, وما تقود اليه من تصرفات , وتتعلق هذه الأحاسيس والخبرات بنوع من العلاقة يشعر الفرد بقيامها بينه وبين مايعتبره الهيا”.
هربرت سبينسر: الاعتقاد بحضور فائق لشيء غامض وعصيّ على الفهم.
ماكس مولر: إن الدين هو كدح من أجل تصور ما لايمكن تصوره, وقول ما لا يمكن التعبير عنه, إنه توق الى اللانهائي.
شلاير ماخر: إن الدين هو شعور باللانهائي واختبار له ومانعنيه باللانهائي هنا هو وحدة وتكامل العالم المدرَك وهذه الوحدة لاتوجّه الحواس كموضوع وإنما تنبي عن نفسها للمشاعر الداخلية وعندما تنتقل هذه المشاعر الى حيز التأملات فإنها تخلّف في الذهن فكرة الله وإن الخيال الفردي هو الذي يسير بفكرة الله إما نحو المفارقة والتوحيد أو نحو نوع غير مشخص للألوهة يتسم بوحدة الوجود.
إميل دوركهايم: الدين هو نظام متسق من المعتقدات والممارسات التي تدور حول موضوعات مقدسة يجري عزلها عن الوسط الدنيوي وتحاط بشتى أنواع التحريم وهذه المعتقدات والممارسات تجمع كل المؤمنين والعاملين بها في جماعة معنوية واحدة تسمى ( الكنيسة ).
كانط: الدين هو معرفة الواجبات كلها بوصفها أوامر إلهية
الطباطبائي: الدين يمثل مجموعة من العقائد والاحكام العملية والتعاليم الاخلاقية التي جاء بها الانبياء عن الله لهداية البشر
من خلال تأمل هذه التعريفات، يمكننا أن نستنتج نقطتين هامتين:
الاولى: ربما كان الدين هو الشيء الوحيد الذي تتغير ماهيته ومفهومه باختلاف تعاريفه, فعلم الاقتصاد مثلا رغم تعدد تعريفاته من قبل علماء الاقتصاد إلا أن مفهومه سيظل ثابتا في أنه العلم الذي يعنى بالنشاط الانساني المتعلق بالمال, سواء عرفه آدم سميث بأنه توزيع الثروة او فريدريش فون هايك و كنت بولدنغ اللذان عرفاه بأنّه دراسة طريقة تعيين الأسعار في السوق، ودراسة التبادل التجاريّ أو ليونل رابينز بأنه علم التخصيص الاقتصاديّ لمصادر الإنتاج المحدودة . بل حتى مفردات الفلسفة هي ذات مفاهيم محددة تدور في صددها الاطاريح الفلسفية المختلفة كالوجود والاخلاق ونظرية المعرفة.
• لاجل تسهيل استيفاء الطرح سنصنع هذا الجدول
أ
ب
ج
وليم جيمس
عالم نفساني
أحاسيس وخبرات
مايعتبره الهيا
هربرت سبسر
عالم اجتماع
اعتقاد
غامض وعصيّ على الفهم
ماكسمولر
عالم لغة
كدح من أجل تصور مالا يمكن تصوره ,وقول مالا يمكن التعبير عنه
توق الى اللانهائي
شلايرماخر
شعور باللانهائي
شعور باللانهائي
إميل دوركهايم
عالم اجتماع ملحد
نظام متسق من المعتقدات والممارسات
موضوعات مقدسة
كانط
فيلسوف عقلي صاحب نظرية الواجب في الاخلاق
معرفة الواجبات
أوامر إلهية
الطباطبائي
رجل دين شيعي
مجموعة من العقائد والاحكام العملية
جاء بها الانبياء عن الله لهداية البشر
وواضح أن ماهية الدين متغيرة، كما هو وارد في ب من الجدول
كما نلاحظ بوضوح أيضا, أن طبيعة التعريف نابعة من هوية المعرِّف الفكرية كما هو وارد في أ من الجدول.
الثانية: هناك عنصر مشترك في كل التعاريف وهو الميتافيزيقا ويبدو هذا جليا فيما هو وارد في ج من الجدول.
وبهذا تكون هذه التعاريف عبارة عن رؤى فلسفية تحاول أن تحدد ما تصوره أصحابها بما هو وارد في ب من الجدول, وترتبط بما هو وارد في ج .
بمعنى أن مفهوم الدين عند وليم جيمس هو شعور واحاسيس ترتبط بما هو الهي, وعند دوركايم هو قضية موهومة (لأنه ملحد) تقبع في الميتافيزيقا من شأنها أن تخلق خاصية توحد ابناء المجتمع في نسق اجتماعي معين. وهكذا ..
ومع الأخذ بما ذكرته آنفا من أن تحديد ما هو وارد في ب من الجدول تابع لحدود عقلية المفكر ورصيده المعرفي وهويته الفكرية, إضافة الى أن العقل الانساني لم ينجح حتى اليوم في الوصول الى حل وتصور نهائيين لما يتعلق بالميتافيزيقا والذي يعبر عنها في هذه التعاريف بإلهي واللانهائي والغامض …, يتضح العجز الانساني امام جزئي التعريف المكونين له ب وج, وبهذا نصل الى حقيقة, هي أن العقل الانساني لم يقدم مفهوما محددا للدين….