الرئيسية / الادبية والثقافيه / سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 13

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 13

أمضينا الطريق الى مدينة مصراتة و نحن نتجاذب اطراف الحديث بعدما إصطحبنا الاستاذ عامر مصباح الشريف عضو اللجنة الشعبية للتعليم والتكوين في مؤتمر سيدي عمير حسب الوصف الاداري و هو بمثابة مدير التعليم لمنطقة سيدي عمير معه في سيارته الخاصة .. لإستلام سلفة مقدارها مائتي دينار لكل شخص منّا لأن الرواتب ستتأخر لحين إكمال إجراءات الإقامة لمدة قد تصل الى ستة أشهر في أحسن الأحوال .. كان هذا بعد يومين من زيارتنا الى طرابلس في يوم الجمعة .. كيس جداً و هاديء بطبعه و كما هم الناس طيبون و يبادرون لتقديم المساعدة هنا هو كذلك مثلهم .. أخذنا في جولة بعد أن أستلمنا مبالغ السلف من إدارة التعليم والتكوين هنا الى قلب هذه المدينة التجارية الكبيرة والتي تطل على البحر في أحد أكبر موانيء ليبيا التجارية .. توقفنا عند أحد المطاعم الكبيرة في قلب المدينة لنتناول وجبة الغداء و قد تناصف النهار .. طلبت منه أن أمر على سكن أصدقائي الأساتذة في العلوص و نحن في طريق عودتنا الى سيدي عمير .. لعلي أجد رسائل قد وصلت لي من الأهل عند حسام .. رحب مبادرا : أن هذا الامر لايضايقني بل على العكس سأتوقف عند المحلات لتأخذوا كل ما تحتاجوه في سوق العلوص من خبز و خضار أو شيء آخر ..شكرناه على كل هذا اللطف و الإهتمام و التقدير الذي لمسناه منه وتحمله مشقة الطريق من أجلنا نحن العراقيين الثلاثة .. قضينا قرابة الساعة مع صديقي الاستاذ حسام في العلوص بعد إن عرفتهه على الاستاذ عامر الشريف و زملائي العراقيين ثم قام بتضييفنا و أعطاني ثلاثة رسائل قد وصلتني على صندوق بريده منذ فترة .. وأخبرته إننا قد أصبح لدينا صندوق بريد في مدينة القره بوللي القريبة مناّ .. رسالتين من الأهل و أخرى من رفيق دربي الذي أرسلت له عنواني منذ مدة .. إنشغلت عنهم في قراءة الرسائل و هم يواصلون حديثم عن تأريخ تأسيس هذه الثانوية العريقة و التي تم تسميتها بأسم وزير المعارف الهادي عرفة في عهد الملك السنوسي و هو من أهالي العلوص .. سألوني عن احوال الأهل في العراق حال فراغي من قراءة الرسائل : اجبتهم إنهم بخير و لا تغيير في الاحوال هناك .. لم تأتي الرسائل بجديد سوى طمئنتني عليهم وهذا أمر جيد .. يبدد كل مشاعر القلق عليهم .. أوضاع البلد غير مستقرة .. قطّاع الطرق في كل مكان .. المعارضة تقوم بعمليات أغتيال تستهدف البارزين من رجال الامن و الحزب .. الفقر و العوز يفتك بالناس فتكاً دونما أي رحمة أو إنفراج.. هذه الاوضاع الغير مستقرة لا تدعك ان تكون مرتاح البال مهما أدرت بوجهك عنها .. دائما تفاجئنا الايام بحوادث وخسارات لم تمر على خواطرنا من ذي قبل .. هذا كل ما يجول بخاطري وانا اهم في توديع حسام والعودة الى سيدي عمير .. عدنا نواصل طريقنا في العودة الى سيدي عمير .. وصلنا آخر المساء الى السكن بعد ان أبلغنا الاستاذ عامر بالبدء بعمل الإجراءات الادارية للعقد و من ثم الحصول على الإقامة .. كل شيء يسير على ما يرام .. الحاج سالم أبو زيد ينتظرنا في بيته دائماً .. إذ نذهب اليه بين الحين و الآخر لنقضي جزء من ساعات الليل الطوال معه .. غرف الاستقبال للبيوت هنا والتي تسمى محليا ( المربوعة ) تكون الى جانب البيت ومفصولة عنها بشكل تام .. ومعظم أبوابها تكون بإتجاه البحر شمالا للإفادة من نسيمه البارد في فصل الصيف لتلطيف الإجواء .. ما أن نقترب من بيته الذي يقع قبالة بساتين الحمضيات العائدة له و لأقاربه من عائلة أبو زيد حتى يخرج لإستقابلنا خارج البيت مرحبا بأعلى صوته ( تفضلو .. تفضلو ..يا مرحب .. يا مرحب ) .. صوته الصادح بنقاءه الفطري و كرمه العروبي الباذخ لا يدعك تخجل أو تستحيي من زياراته المتكررة على طول الاسبوع .. والتي هي عبأ ثقيل يكبل نفسي عندما أقبل على بيته .. فأشعر بحرج كبير في داخلي بدون أن يكون مبرر لهذا الخجل أو الحرج في الأصل مع هذا الرجل الكريم والطيب بطبعه العفوي .. بل على العكس يحاول أن يشعرك بدون ممارة أنك انت من تتفضل عليه بالمجيء الى بيته و أن تقضي معه ساعتين أو أكثر بين ليلة وأخرى تقريبا ً .. حكمته وفراسته سمة شخصيته وحديثه الممتع والمفيد دائما .. هكذا هي الايام تمر هنا بطيئة .. ساعات العمل في الصباح الى منتصف النهار .. نتمشى في المساء الى الربوة القريبة مناّ .. التي تطل على الوادي الذي يصل الى البحر .. و كذا فإن بإمكانك أن تنظر الى البحر و هو ساكن تماماً سوى صوته الهادر الذي يخترق كل هذا الصمت في الهزيع الاخير من الليل ..
كان لزوما علينا أن نسرع في الإجراءات التي بدونها لا تصرف لنا أي رواتب .. مالدينا من مبالغ لا يكفي الاّ لشهر واحد و مبالغ السلف لا تكفي الا شهرين أذا ما أحسنا تدبير أمورنا ..
علينا أن نذهب الى الخمس لإكمال بعض الأوراق .. ذهبنا أنا و الاستاذ عبدلله مع زميل لنا الى الخمس ..
ذهبنا الى معهد الخمس الذي بتُّ فيه يوم وصولي الى هنا لأول مرّة .. أخذت من أصدقائي هنا بعض الاوراق التي نحتاجها في الإجراءات .. دلوني على مكتب حاسبات لاقوم طباعة بعض الاوراق الضرورية .. وصلنا لمكتب ضوء للحاسبات الذي هو وجهتنا .. يقع قريب الى المجمع الاداري لمدينة الخمس .. على جانب الشارع الرئيسي في المدينة .. وجدنا خلف الحسابة شاب عراقي لم يكمل عقده الثالث .. بدا منشرحاً في إستقبالنا .. عرفنا بنفسه : مهندس وضّاح مشرق منير .. اتى هنا للخمس منذ مدة .. والده اللواءالطبيب مشرق منير مدير مركز الرشيد العسكري للدراسات العليا و والدته الدكتورة الأخصائية مديرة مستشفى الكاظمية للولادة لم يثناه من أن يشق طريقه لوحده و يواجه هذه الحياة بنفسه دون التفكير بالاتكال على ما تجنيه عيادات والديه من دخول جيدة .. هكذا قال لي بالحرف الواحد .. وانا انصت له و انظره باكبار لما هو عليه من شخص واثق بنفسه و معتد بها .. قام بطباعة أوراقنا و ودعناه على أمل ان نلتقي بعد كتبت له عنواني في ورقة على مكتبه ودعوته لزيارتي في اي وقت يشاء .. هممنا لزيارة إصدقائنا يدرسون في منطقة قصر الاخيار و هي منطقة تقع ما بين العلوص و بين القره بوللي لقضاء ما تبقى من النهار معهم والإطمئنان عليهم بعد إنقطاع أكثر من شهرين تقريبا ..
و صلناهم و قد إنتصف النهار .. سعدوا جدا بمجيئنا .. يأتي اليهم الكثير من الأصدقاء هنا .. الطريق الساحلي الذي تقع عليه بلدية قصر الاخيار يكون معه المجيء الى هنا اسهل من إمكانية الوصول الى المكان الذي اسكن فيه في منطقة سيدي عمير .. تناولنا وجبة الغداء معاً .. وبقينا الى آخر المساء ثم عدنا الى هناك بسيارة إجرة ..
يوم حافل بانجاز الاعمال و التعارفات ولقاءات الاصدقاء و انت تفتح عينيك بكل أمل على حياة جديدة و عالم جديد و ناس جدد ..
قبالة ميناء مصراته 👇