الرئيسية / الادبية والثقافيه / سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 20

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 20

ثمة هدوء و سلام يسكن روحي و أنا أجلس قبالة الأستاذ عبدالله في الصالة التي إقتطعناها من الكرفان .. ما بين الغرفة الصغيرة التي ننام فيها بإسرتنا الثلاثة و الجزء الذي خصصناه كمطبخ .. في هذا الصباح المشمس و الساكن و الخالي من أي حركة لإنسي ما عدانا في هذا المكان .. اليوم هو الجمعة وأنا في هذه اللحظة التي أنصت مندهشاً بها الآن لحديث الاستاذ عبدالله و هو يقصُّ علينا أحد تفاصيل مشاريعه الخاسرة التي عملها في مدينة البصرة بعد إبعاده من الكويت .. أخذت أتحدَّث في سري كيف لهذا الإنسان الطيب و السخي و المسالم أن يثق بهؤلاء المخادعين كل هذه الثقة .. أم إنَّ أَساليبهم المراوغة قد نجحت في إخفاء أي أثر يدل على سرقتهم المبالغ من المطعم رحت إسئله مقاطعاً .. فأجابني قائلاً : في البداية كان المطعم يعمل بنجاح كبير و كنّا نجني منه أرباح جيدة لأكثر من اربعة أشهر .. و من ثم بدأت تقل هذه الارباح شيئا فشيئا وانا أثق بهم ثقة عمياء و لا اتوقع منهم يوماً أن يتسببوا لي بكل هذه الخسارة .. ومن ثم إستمرت الخسارات حتى أتت على كل ما إدخرته من أموال لطيلة العشر سنوات هناك في التدريس و لم يبقى لي شيء سوى بيتي .. قالها و هو ينفث بإنفاس تتكسَّر حرقة وألم ثم أضاف : و حتى هذا البيت إضطررت أن أبيعه و أشتري بثمنه زورقاً للصيد الذي يطلق عليه محلياً ( لنج ) .. وسأحكي لكم قصة هذا المشروع الخاسر في وقت آخر .. ما لهذه الحياة من طعم عندما يخونوك من تثقّ بهم ..كالرياح عندما تخذل الأشرعة في لجّة البحر .. فتتخثر الأُمنيات شاحبة و هي تنتظر ببلادة عتبات الهزائم .. رحنا نتدبر شؤوننا في السكن نغسل الملابس و ننظّف السكن و نستحمَّ في الجزء الأخير من الكرفان و هذا ما نفعله في كل يوم الجمعة عادةً .. أحد الأصدقاء في الليلة الفائتة سئلنا : لماذا لا تأتون لصلاة الجمعة في جامع سيدي عمير و أخذ يلدنا على مكان الجامع .. هذا السؤال حفزنا في ان نذهب لصلاة الجمعة اليوم في جامع سيدي عمير و ها نحن الآن قد أكملنا إستعدادنا في أن نذهب الى الجامع .. رحنا نسير في الطريق وكل هذا الهواء العليل الذي أتنفسه القادم من البحر يلُّف بنا .. و كل هذه الشمس التي تلمع على العشب والاشجار وتشع في نفسي أمل كأغاني السنابل في الحقول .. وهذه الإجواء الساحرة التي تفتح الصدر و تروّض نبضات القلب بشجن لذيذ .. وأنا اتأمل كل ما حولي بخطواتي المطمئنة هذه فتورق روحي ندىً و إخضرار .. واصلنا سيرنا نحو الطريق المعبَّد دون توقف و نحن نترقب بأنظارنا سيارة قادمة الى المكان كي تقلِّنا الى مكان الجامع .. مع كل هذا البهاء الذي هو أقل ما تصف به هذا المكان في روعتة و جماله .. لكن سكونه و خلوّه من المارة و السيارات صيره وكأنه مكان مهجور و منقطع سوى من أصوات العصافير وهي تتقافز بين الاشجار التي نمشي بظلَّها الآن .. و دوي البحر و هو يهدر بأمواجه التي تتكسر على الشواطئ قبالة سيدي عمير .. جاء أحد الأهالي ونحن قد قطعنا منتصف الطريق المعبد فتوقف الى جانبنا و بادرنا بأن نركب معه في طريقه الى نفس الجامع الذي نقصده .. وصلنا الى جامع سيدي عمير و الذي تقع الى خلفه مقبرة .. قرأنا صورة الفاتحة ترحماً على الموتى و من ثم دخلنا الى الجامع .. جامع كبير و هو ممتلئ بالناس بإكمله .. وجدنا الكثير من الناس الذين تعرفنا عليهم هذه الفترة إضافة للكثير من زملاءنا .. إمام الجامع في خطبة صلاة الجمعة بدا مفوهاً بعربية فصيحة و بلاغة واضحة تشد المصلين اليه و صوت رخيم ينفذ الى القلب بخشوع يضفي عليه روحانية صافية .. سئلت عنه احد الزملاء عندما فرغنا من الصلاة .. فأجابني إنه الشيخ احمد الشفر و هو مشرف تربوي وإمام لجامع سيدي عمير .. رجعنا مع صاحب السيارة التي أتينا بها الى هنا .. رحت أغطُّ بنوم عميق ما إن وضعت رأسي على الوسادة .. إستيقظت في آخر المساء وإنا أشعر بالدفئ في ظل هذه الأجواء الشتوية الباردة .. أخذنا نهمُّ للذهاب الى بيت الإستاذ محمد عمار ابو زيد الذي ابغلنا دعوته للإفطار عنده في البيت قبل يومين .. و هذه المرة الثانية التي يدعوننا فيها الى بيته بعد سكننا بالجوار منهم .. وصلنا لبيته قبل نصف ساعة من صلاة المغرب .. إستقبلنا بحفاوة ومرحبا بحرارة كعادته .. توطدت علاقنا به سريعاً ونمت كالرياحين .. الحكمة يانعة تسمعها من فمه .. فهو من خبر الحياة جيداً و خاض غمارها بتحدي و صبر .. رحنا نتحدث و في داخلنا لهفة و نهم كبيرين لإشباع اسئلتنا ما يطفأ بها شغف المعرفة الى هذه اللحظة التي نجلس متقابلين فيها الآن .. و عيناني ترنو الى مكتبته الكبيرة وانا اتفحّص كتبها و مجلداتها من ذي قرب ..
ما إن فرغنا من الصلاة و تناولنا وجبة الافطار التي أُعدّت بإهتمام و كرم بالغين على شرفنا حتى رحنا نسمر برحيق الاحاديث .. و نزهو كالشمس في مواسم الحصاد .. في كل هذه الأجواء الرمضانية والإيمانية التي تفيض بنا ود و محبة و أخوة نقيه .. لحظات تطيّب الخاطر و تخفف آلام البعد عن الأهل و الوطن .. فتغفو العصافير على أشجار المحطات منتشية بالخضرة و الزقزقات ..

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 2

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 3

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 4

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 5

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 6

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 7

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 8

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 9

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 10

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 11

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 12

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 13

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 14

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 15

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 16

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 17

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 18

سلمان عبد مهوس: حدث قبل ربع قرن 19

جميع الحقوف محفوظةلشبكة الخيط الابيض - شكرا لتعاونكم معنا