بدل أن تعطيني سمكة، أعطني شبكة
مثل صيني، معناه أن امتلاك وسيلة الصيد هو أنفع بكثير من الحصول على سمكة، قد تكون نتاج محاولة صيد واحدة.
إذا أردنا أسقاط هذا المثل على الواقع السياسي الذي نعيشه، أو بتعبير أدق “الأزمة السياسية التي نعيشها” فالسؤال الجوهري الذي أستحث به أذهان القُرَّاء هو “ما الذي أعطى التيار الصدري صاحب الجمهور الثابت، تفوقاً على بقية منافسيه، بحيث وصل الى هذا العدد القياسي من المقاعد ؟
الجواب هو “قانون الانتخابات” الذي خدمت نصوصه ونظام توزيع الأصوات فيه، كل الكيانات والأحزاب السياسية التي لها القدرة على إدارة أصواتها، وفي مقدمة تلك التيارات والأحزاب هو التيار الصدري والحزب الديمقراطي، فمن المتفق عليه أن نتائج التيار الصدري لم تتحقق بإجمالي عدد الأصوات التي حصلوا عليها، لكنها تحققت من خلال الطريقة التي اديرت بها تلك الأصوات، فالسمكة إذاً هي نتيجة الانتخابات التي حقق فيها الصدريون هذا الرقم القياسي من عدد المقاعد النيابية؛ ولكن ما هو أهم من تلك النتيجة أو (السمكة) إن شئتم، هو الشبكة التي تمكن بها الصدريون من الحصول على هذا العدد، وتلك الشبكة هي قانون الانتخابات الذي كان بمقدور التيار الصدري الحفاظ عليه أو عليها، من خلال منع أي تعديل يستهدف ذلك القانون في المستقبل، وهذا الأمر كان ممكناً من خلال السيطرة التي فرضها الصدريون على مجلس النواب من خلال تحالفهم (التحالف الثلاثي) ومن خلال موقع النائب الأول لرئيس المجلس الذي كان يشغله أحد قياداتهم.
لذلك فإن (خسارة) الصدريين الحقيقية بعد انسحابهم واستقالة نوابهم، لم تكن خسارتهم لفرصة تشكيل الحكومة من قبل شخصية صدرية أو مرشحة من التيار الصدري على الأقل، لإن هذه الفرصة كان من الممكن أن تتكرر في الدورة النيابية القادمة، بل من الممكن أن تتكرر في أفق قريب، من خلال الذهاب الى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة من المؤكد أن نتائجها كانت ستاتي لصالح الصدريين أيضاً، ما دامت تلك الانتخابات المفترضة ستجرى في ظل نفس القانون؛ في المقابل فإن مكسب الإطار التنسيقي الحقيقي الآن ليس في تشكيل الحكومة، بل في الفرصة المؤاتية في تعديل قانون الانتخابات بطريقة تعيد الأمور الى نصابها وتحرم الأطراف التي خدمها ذلك القانون بحيث جعلها تتمدد على حساب قوى الإطار.
لذلك فإن أكثر رأي فيه قدر كبير من الحكمة وبعد النظر، ليس المضي في تشكيل الحكومة، بل المضي بتعديل قانون الانتخابات ثم حل البرلمان والإبقاء على الحكومة الحالية، لأن هذه الطريقة الوحيدة التي لن تستفز الصدريين وتدفعهم ربما الى خيارات صعبة، قد يقول قائل: إن تعديل قانون الانتخابات اصبح تحصيل حاصل بعد قرار المحكمة الاتحادية الذي قضى بوجوب تعديله، أقول ألم يقض قرار سابق للمحكمة بعدم المضي بتشريع قانون الأمن الغذائي ؟ فهل حال قرارها دون تشريعه ؟ قوى الإطار التنسيقي الآن منقسمة على نفسها بين من يراهن على السمكة وبين فريق بعيد النظر عينه على الشبكة، وبين خيار السمكة وخيار الشبكة، يستعد المراقبون إلى خيارات أخرى قد تذهب بهما.