سلمان عبد مهوس: ظاهرة ( الأمير الفيسبوكي ) أو ( الأمير الوهمي ) ..

ظاهرة ( الأمير الفيسبوكي ) أو ( الأمير الوهمي ) ..

لعله أكثر ما يستفز وعي الناس هنا في العراق بالتحديد ، الظواهر الجديدة التي رافقت النظام الاجتماعي و السياسي و الثقافي والديني للمجتمع العراقي ، الذي تبلور بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ..

و أكثر ما يثير الدهشة و الاستغراب تلك الظواهر أو لعلها الحالات التي برزت بشكل مفاجيء و لافت للنظر ، مرافقة للظاهرة القبلية والعشائرية التي فتكت تمزيق و عدوانية في بنية و نسيج المجتمع العراقي ، بدل أن تزيده قوة و تماسك وتعايش و سلام و وئام بين الناس ..

والأسباب مجتمعة التي أدت الى بروز و نمو و تمدد و تغوّل هذه الظواهر يرجع كله الى هلامية الدولة وضعفها و إختفاءها بالكامل في بعض الأحيان ، في أن تتغير أحوال الناس و طرق تعاطيهم مع المفاهيم العامة و الأعراف و منظومة القيم الجامعة التي تحكمهم و تحدد مسارات العلاقات التي تربطهم مع بعضهم البعض ..

و أنا هنا ليس من باب السخرية أو الإستهزاء أو الإنتقاص من شخص ما أو جماعة ما أبداً بقدر ما هو التوضيح والنقد و النصح بغية التنبيه من هذا ( الوهم ) الذي راح يصدقَّ به البعض و يتماها معه بإشكال مختلفة ..

أودُّ في بداية الأمر أن أبينَ إن ذاكرة المجتمع تبقى حيّة وفي توازن دائما و هي جزء من العقل الباطن لهذا المجتمع تختزن الكثير و الكثير و لا يمكن معها بأي شكل من الأشكال أن تتقبل أي ظاهرة غريبة و غير واقعية أو اي شيء آخر ينافي المفاهيم والقيم والتطلعات والآمال لذلك المجتمع ..

و نعود على ذي بدء لظاهرة ( الأمير الوهمي ) التي عجت بها صفحات الفيسبوك سواء الشخصية أو العامة و التي تدعونا أن نلقي نظرة بسيطة لتحليل و تشخيص بروز و نمو هذه الظاهرة شيئاً فشيئاً في الوقت الذي نتطلع فيه لتعميق ونشر ثقافات مدنية تمكن المجتمع من تجاوز محنته و أزماته الكثيرة و كذلك المساهمة و التمكين لكل الفاعلين الاجتماعيين في المجتمع من مثقفين و اكاديميين و نقابيين و غيرهم في أن يأخذوا دورهم للنهوض بالواقع بعد هذا النكوص الذي أصاب الدولة و المجتمع على حد سواء في إشاعة ثقافة الدولة و المؤسسات و القوانيين ..

ولنتعرف على أصل أو جذر كأصطلاح سياسي و ليس لغوي فإن هذه الكلمة ( الامير ) ضاربة في أعماق التاريخ قديما و حديثا كلقب يطلق على الأشخاص الذين هم يشكلون هرم السلطة للممالك أو الدول أو الإمارات التي يحكمونها بالفعل ، و يخبرنا التاريخ آخر عهد لهذه الأمارات التي نشأت في العراق أثناء الإحتلال العثماني الذي إستمر لعدة قرون من الظلام والفقر و الجهل و الضعف الذي تصل الامور فيه حد الإضطرابات والفوضى نرى معه تصاعد ونمو نفوذ إمارة هنا و هناك تقام على أساس قبلي و جغرافيا تخص موطن ونفوذ تلك القبلية والقبائل التي تتحالف معها في المناطق التي لم تمتد لها أو بالحقيقة لا تكترث لها السلطة العثمانية لبعدها او لعدم أهميتها الاقتصادية ..

السؤال هنا : ما هي القيمة الموضوعية اليوم في العراق تحديداً لإطلاق إصطلاح ( إمارة ) !!! على قبيلة معينة أو لقب ( أمير أو الأمير ) على رئيس أو كبير هذه القبيلة و هو لا يمتلك أي جغرافيا أو أي سلطة قانونية تمكنه من حكم و لو فرد واحد على الأقل ، أو أن هذه القبيلة التي أطلقت على تجمعها بال ( إمارة ) فأين هي حدود تلك الإمارة و مدن العراق اليوم و حتى القرى في معظمها تشترك فيها الناس من خلفيات إجتماعية متنوعة و لا أثر لهذه الإطلاقات و الألقاب في حياتهم من شيء يذكر ..

فلكل المهوسون بالتاريخ و الألقاب والفخامات و النرجسيات أقول ناقدا بموضوعية ..

تواضعوا قليلاً و إهدأوا قليلاً و أكبحوا جماح نفوسكم قليلاً و أفيقوا من هذا الوهم الفيسبوكي قليلاً ..

مصلحة العراق أن نبني عراق مدني و دولة مؤسسات تحكمها القوانين التي لا تفرق بين الجميع ..

فالعراق لا يتحمل كل هذا الشتات و التمزيق و التراجع و النكوص في اكثر من مجال ..